سورة لقمان - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)}
لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريبة منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة، بل هي واجبة لغير الله في بعض الصور مثل خدمة الأبوين، ثم بين السبب فقال: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} يعني لله على العبيد نعمة الإيجاد ابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق وجعل بفضله للأم ما له صورة ذلك وإن لم يكن لها حقيقة فإن الحمل به يظهر الوجود، وبالرضاع يحصل التربية والبقاء فقال حملته أمه أي صارت بقدرة الله سبب وجوده {وفصاله في عامين}، أي صارت بقدرته أيضاً سبب بقائه، فإذا كان منها ما له صورة الوجود والبقاء وجب عليه ما له شبه العبادة من الخدمة، فإن الخدمة لها صورة العبادة، فإن قال قائل وصى الله بالوالدين وذكر السبب في حق الأم فنقول خص الأم بالذكر وفي الأب ما وجد في الأم فإن الأب حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ وقوله: {أَنِ اشكر لِى ولوالديك} لما كان الله تعالى بفضله جعل من الوالدين صورة ما من الله، فإن الوجود في الحقيقة من الله وفي الصورة يظهر من الوالدين جعل الشكر بينهما فقال: {أَنِ اشكر لِى ولوالديك} ثم بين الفرق وقال: {إِلَىَّ المصير} يعني نعمتهما مختصة بالدنيا ونعمتي في الدنيا والآخرة، فإن إلي المصير أو نقول لما أمر بالشكر لنفسه وللوالدين قال الجزاء عليَّ وقت المصير إليّ.


{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}
يعني أن خدمتهما واجبة وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاعة الله، أما إذا أفضى إليه فلا تطعهما، وقد ذكرنا تفسير الآية في العنكبوت، وقال هاهنا {واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ}، يعني صاحبهما بجسمك فإن حقهما على جسمك، واتبع سبيل النبي عليه السلام بعقلك، فإنه مربي عقلك، كما أن الوالد مربي جسمك.


{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)}
لما قال: {فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وقع لابنه أن ما يفعل في خفية يخفي فقال: {يا بني إنها} أي الحسنة والسيئة إن كانت في الصغر مثل حبة خردل وتكون مع ذلك الصغر في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على الله، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {فَتَكُنْ} بالفاء لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفية في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على الله لأن الفاء للاتصال بالتعقيب.
المسألة الثانية: لو قيل الصخرة لابد من أن تكون في السموات أو في الأرض فما الفائدة في ذكرها؟ ولأن القائل لو قال هذا رجل أو امرأة أو ابن عمرو لا يصح هذا الكلام لكون ابن عمرو داخلاً في أحد القسمين فكيف يفهم هذا، فنقول الجواب عنه من أوجه:
أحدها: ما قاله بعض المفسرين وهو أن المراد بالصخرة صخرة عليها الثور وهي لا في الأرض ولا في السماء والثاني: ما قاله الزمخشري وهو أن فيه إضماراً تقديره فتكن في صخرة أو في موضع آخر في السموات أو في الأرض والثالث: أن نقول تقديم الخاص وتأخير العام في مثل هذا التقسيم جائز وتقديم العام وتأخير الخاص غير جائز، أما الثاني فلما بينتم أن من قال هذا في دار زيد أو في غيرها أو في دار عمرو لا يصح لكون دار عمرو داخلة في قوله أو في غيرها، وأما الأول فلأن قول القائل هذا في دار زيد أو في دار عمرو أو في غيرها صحيح غير قبيح فكذلك هاهنا قدم الأخص أو نقول خفاء الشيء يكون بطرق منها أن يكون في غاية الصغر ومنها أن يكون بعيداً، ومنها أن يكون في ظلمة، ومنها أن يكون من وراء حجاب، فإن انتفت الأمور بأسرها بأن يكون كبيراً قريباً في ضوء من غير حجاب فلا يخفى في العبادة، فأثبت الله الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط فقوله: {إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} إشارة إلى الصغر وقوله: {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} إشارة إلى الحجاب وقوله: {أَوْ فِي السموات} إشارة إلى البعد فإنها أبعد الأبعاد وقوله: {أَوْ فِي الأرض} إشارة إلى الظلمات فإن جوف الأرض أظلم الأماكن وقوله: {يَأْتِ بِهَا الله} أبلغ من قول القائل يعلمها الله لأن من يظهر له الشيء ولا يقدر على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دون حال من يظهر له الشيء ويظهره لغيره فقوله: {يَأْتِ بِهَا الله} أي يظهرها الله للأشهاد وقوله: {إِنَّ الله لَطِيفٌ} أي نافذ القدرة {خَبِيرٌ} أي عالم ببواطن الأمور.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8